الجميع يعرف كسرة الخبز وربما البعض يعرف
كلمة بوغاتي وهي السيارة الرياضية غالية الثمن حيث تصل قيمتها ما يقارب 9.5 مليون
ريال سعودي . اولاً دعوني اخبركم بقصة
قديمة عندما كنتُ صغيراً في سن العاشرة وبالتحديد في مكان نشأتي في مدينة
مكة المكرمة ,كنت انظر في حارتنا القديمة شعب عامر إلى رجل كبير في السن يجمع فتات
الخبز المتناثر في الطرقات أو من بقايا الزبالة ويضعها في أكياس فكان يحزنني ذلك
العجوز لكبر سنه واعتقادي انه يبحث عن بقايا الخبز من أجل أن يأكله , وفي يوم من
الايام طلبت من والدي رحمه الله واسكنه فسيح جناته هو وجميع اموات المسلمين مبلغ نصف ريال من أجل الصدقة فتعجب أبي رحمة
الله ولم يتردد واعطاني ذلك المبلغ الزهيد وهو مبتسم وذهبت إلى الخباز وملئت كيس
من الخبز واصبحت انتظر ذلك العجوز حتى يمر من امام بيتنا لكي اعطيه, وعند مروره
بعد صلاة العصر نزلت اليه وقلت يا جد خذ هذا الخبز انهُ احسن من الذي تأخذه من
بقايا براميل الزبالة وهو صالح للأكل فنظر
إلي ذلك العجوز باستغراب وتعجب وقال هذا الخبز جديد قلت له نعم احضرته لك من
الخباز ,فتبسم العجوز ومسح على رأسي ودعا لي بالخير وقال يا ولدي انا ابحث عن
الخبز الناشف من الطرقات ومن براميل الزبالة من أجل إطعام المعاز الذي أقوم
بتربيته في فناء منزلي , فأنا ولله الحمد لست بحاجة إلى الصدقة ولكن سوف اقبل منك
هذا الخبز لكي اصدقه على نيتك واخرج من جيبه عشرين ريال وهو مبلغ جيد في وقته لكي
يكافئني على المعروف ولكن رفضت بشدة وهو يحاول وانا ارفض وقال لي يا ولدي أخبر
والدتك إذا كان عندكم خبز ناشف من بقايا طعامكم لا ترموه في الزبالة واجمعوه في
كيس وانا سوف امر كل اسبوع انا والسائق نأخذه منكم ,عدت إلى منزلنا واخبرت ابي
وامي بالأمر فضحك ابي من القصة ,وقال اسمع يا ولدي هذا العجوز ليس بحاجة إلى
الصدقة لا منك ولا من غيرك لأنه رجل مقتدر ورجل غني من أغنياء المجتمع ويملك
العديد من العمارات يقوم بتأجيرها في أيام الحج ناهيك عن الاراضي والاملاك ,ولكن
هذا العجوز يا ولدي يقدر النعمة ولا يتكبر عليها لذلك تراه يلقط بقايا الخبز من الطرقات وبراميل
الزبالة تكريماً وتقديراً لنعمة الله وهو رجل يقوم بأعمال الخير للفقراء والجمعيات
الخيرية في خفاء وملازم للمسجد ومتواضع والأجمل من ذلك يا ولدي انه يعمل كل ذلك
بصمت دون تفاخر أو رياء ,رسخت تلك القصة في قلبي قبل عقلي وتولدت القناعات بالحفاظ
على النعم وعدم الاسراف فيها .واليوم نرى ونتعجب ونستغفر الله من أفعال الذين
يرمون كميات هائلة من النعم في براميل الزبالة دون خوف من الله بل البعض منهم تعدى
ذلك واصبح يكسر نفوس الفقراء وذو الحاجة وذلك بالتباهي بالمال والجاه والخدم والحشم
ويشتري الذمم بالمال والهدايا ويعلنها عبر برامج التواصل الاجتماعي دون حسيب أو
رقيب حسبنا الله ونعم الوكيل وهو لا يعلم ان النعم زائله وإن ذلك المال وتلك
الاملاك لن تدخل القبر معه وقت مماته ,لذلك سوف اختصر في سردي واقول التفاخر والرياء يولد لأنانية والأنانية تولد الحسد ، و الحسد يولد البغضاء
، و البغضاء تولد الاختلاف ، و الاختلاف يولد الفرقة ، و الفرقة تولد الضعف ، و الضعف
يولد الذل و الذل يولد زوال الصحة و زوال النعمة و هلاك الحال , لذلك انظروا لحال
الامم من حولنا وهم يعيشون في حال الذل والفقر والحاجة والفاقة حتى إن كسرة الخبز
الناشف تعتبر في نظرهم تساوي قيمة (البوغاتي)
للهم اني اعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك
وفجأة نقمتك وجميع سخطك
دمتم في خير
الكاتب والشاعر: ناجي الزهراني